
هدم التعليم في فلسطين: كيف يحاول الاحتلال قتل المستقبل ومحو الهوية؟
مع عودة الطلاب حول العالم إلى مدارسهم وجامعاتهم، يُحرم آلاف الطلاب الفلسطينيين من أبسط حق من حقوقهم الإنسانية – الحق في التعليم. فبينما تستعد المدارس في كل مكان لاستقبال طلابها، تواصل آلة الاحتلال الإسرائيلي تدمير المؤسسات التعليمية في فلسطين بشكل منهجي وممنهج. هذه ليست مجرد هجمات عشوائية، بل هي جزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى اقتلاع جذور المستقبل الفلسطيني، لأن الاحتلال يدرك جيدًا أن الشعب المتعلم هو الشعب المقاوم، وأن القلم والكتاب هما سلاحان لا يقلان خطرًا عن الحجر والبندقية. في هذه المقالة، سنكشف بالوثائق والأرقام كيف يجري تدمير التعليم في فلسطين، ولماذا يخشى الاحتلال العقل الفلسطيني المفكر أكثر مما يخشى أي شيء آخر.
الاستهداف الممنهج للبنية التحتية التعليمية: إحصاءات وأرقام صادمة
طالما شكلت المدارس والجامعات في فلسطين قلعة صامدة في وجه محاولات الاحتلال طمس الهوية الوطنية، ولهذا أصبحت هذه المؤسسات على رأس قائمة الاستهداف. وكما يقول المثل العربي: “إذا أردت أن تقتل الأمة فاقتل تعليمها”. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة ووزارة التعليم الفلسطينية، دمر الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2000 أكثر من 1000 مدرسة ومركز تعليمي في فلسطين، بما في ذلك 200 مدرسة في قطاع غزة فقط خلال العدوان الأخير. وفي الضفة الغربية، يواصل الاحتلال هدم المدارس في المناطق المصنفة “ج”، حيث جرى هدم 55 مدرسة خلال السنوات الخمس الماضية بحجج واهية مثل “عدم الترخيص”. الأكثر إيلامًا أن هذه الهجمات لا تستثني حتى رياض الأطفال، ففي عام 2022 فقط، دمر الاحتلال 30 روضة أطفال في القدس الشرقية والضفة الغربية. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي شواهد على جرائم حرب تستهدف مستقبل جيل كامل.

استهداف شريان الحياة الأكاديمي: جامعات فلسطين بين التدمير والحصار
إذا كانت المدارس تمثل الأساس، فإن الجامعات تمثل قمة الهرم التعليمي وشريان الحياة الفكري للأمة الفلسطينية. وكما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش: “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”، ومن أبرز ما يستحق الحياة على أرض فلسطين هو إصرار شعبها على التعلم رغم كل المحن. استهدف الاحتلال بشكل منهجي الجامعات الفلسطينية، حيث قصف الجامعة الإسلامية في غزة التي تأسست عام 1978 وأحرق اجزاء من مكتبتها التي كانت تضم آلاف المخطوطات النادرة. كما دمرت أجزاء كبيرة من جامعة الأزهر في غزة وجامعة فلسطين التقنية (خضوري). في الضفة الغربية، لا يقل الحصار الأكاديمي فداحة، حيث يعيق الاحتلال تنقل الطلاب والأكاديميين بين المدن الفلسطينية، ويمنع وصولهم إلى المكتبات والموارد التعليمية، ويقيد استيراد المعدات والأجهزة العلمية اللازمة للبحث والتطوير. لقد أدرك الاحتلال أن الجامعات هي مصنع العقول المقاومة، لذا يعمل على تحويلها إلى أنقاض.
استهداف الشخصيات الأكاديمية: اغتيال العقول قبل الأجساد
الاحتلال لا يهدم الحجارة فقط، بل يهدم العقول أيضًا. وكما يقول المثل العربي القديم: “قتل عالم كقتل أمة”، وهذا بالضبط ما يمارسه الاحتلال من خلال استهدافه المنظم للكفاءات والعلماء الفلسطينيين. تشير إحصاءات مؤسسة الحق الفلسطينية إلى استشهاد أكثر من 45 أكاديميًا وأستاذًا جامعيًا خلال العدوانات الإسرائيلية الأخيرة على غزة، بالإضافة إلى اعتقال المئات من الأكاديميين والطلاب المتميزين في الضفة الغربية. من بين هذه الحوادث، اغتيال العالم الكبير الدكتور صبري صيدم، الأستاذ في مجال الهندسة الكهربائية والحاسوب، الذي قُصف منزله في غزة بشكل متعمد. كما استشهدت الدكتورة ميفين أبو عودة، الأستاذة المساعدة في علم الأحياء الدقيقة، مع أطفالها أثناء محاولتها البحث عن ملاذ آمن. هذه ليست إصابات “عرضية” كما يدعي الاحتلال، بل هي عمليات اغتيال ممنهجة للعقول التي تشكل خطرًا على الرواية الصهيونية.
التأثير النفسي والتربوي: تدمير جيل كامل من الناشئة
خلف الأرقام والمباني، هناك تأثير نفسي عميق يتركه هذا الدمار على نفسية الطلاب الفلسطينيين. وكما تقول الحكمة: “أكثر الناس حكمة من يحول المحن إلى منح”، لكن كم من محنة يمكن لطفل أن يتحمل؟ وفقًا لتقارير اليونيسف، يعاني 90% من الأطفال في غزة من صدمات نفسية حادة بسبب الحرب المتكررة واستهداف المدارس. كثيرون منهم فقدوا زملاءهم ومعلميهم وهم تحت الأنقاض، وشهدوا مشاهد لا ينبغي لأي طفل أن يشهدها. هذه الصدمات تترك آثارًا طويلة الأمد على القدرة على التعلم والتركيز، وتقتل الإبداع والفضول الطبيعي لدى الأطفال. الاحتلال يدرك هذا جيدًا، ويسعى لخلق جيل مشلول نفسيًا، يعاني من الخوف والقلق الدائم، مما يسهل السيطرة عليه سياسيًا واجتماعيًا في المستقبل.

مقاومة التعليم: كيف يحول الفلسطينيون الدمار إلى إبداع؟
رغم كل محاولات القتل والتدمير، يقدم الشعب الفلسطيني أعظم دروس الصمود والتعلم رغم الجروح. وكما يقول المثل الفلسطيني: “الشعب الذي يقرأ لا يُهزم”. في غزة، تحولت الأنقاض إلى فصول دراسة مؤقتة، وتنظم الدروس تحت الأشجار وفي الخيم. في الضفة الغربية، يداوم الطلاب على الحواجز العسكرية، ويتسللون عبر الممرات الجبلية للوصول إلى مدارسهم. الأكثر إلهامًا هو نجاح الطلاب الفلسطينيين في تحقيق مراكز متقدمة في المسابقات الدولية رغم الحصار، وظهور علماء فلسطينيين في أرقى الجامعات العالمية. هذه المقاومة التعليمية تثبت أن الفكرة أقوى من الرصاص، وأن إرادة التعلم لا يمكن أن تقتل بقذيفة أو تنهي بحاجز. التعليم في فلسطين لم يعد مجرد عملية أكاديمية، بل أصبح شكلاً من أشكال المقاومة الشعبية السلمية.
الخلاصة: التعليم كسلاح للمستقبل
الاحتلال الإسرائيلي يفهم جيدًا أن التعليم هو أقوى سلاح يمتلكه الشعب الفلسطيني في معركته من أجل الحرية والكرامة. تدمير المدارس والجامعات ليس مجرد “أضرار جانبية” للحرب، بل هو سياسة ممنهجة تهدف إلى تحويل الفلسطينيين إلى شعب من العمال غير المؤهلين، يسهل السيطرة عليه واستغلاله. لكن التاريخ يعلمنا أن محاولات طمس الهوية عبر استهداف التعليم لم تنجح أبدًا، والشعب الفلسطيني يثبت يوميًا أن العقل أبقى من الحجر، وأن قلم العالم أخطر من رصاص الجندي. أمام المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية مسؤولية أخلاقية وقانونية للوقوف ضد هذه الجرائم، ودعم حقوق الفلسطيني في التعليم، لأن حماية التعليم في فلسطين هي حماية للإنسانية جمعاء، وضمان لمستقبل لا يخضع لمنطق القوة والاحتلال.
تصفّح المقالات
نبذة عن الكاتب
تيكى- تون . مجلة معلوماتية ثقافية اجتماعية رقمية للشباب فى مصر والعالم العربى متخصصة فى مجال التنمية الذاتية والنمو الشخصى بعيدا عن خزعبلات العلوم الزائفة و المفاهيم الغربية المغلوطة