
عباقرة خرجوا من المدارس المصرية: رحلة من الفصل الدراسي إلى العالمية
في زمن يتسارع فيه العالم نحو التخصص والابتكار، تبرز قصة التعليم المصري كحاضنة للعبقرية ومنطلقًا للتميز العالمي. فجذور النجاح التي تُثمر على الساحة الدولية غالبًا ما تكون قد غُرست في فصول المدارس الحكومية والجامعات المصرية. الشخصيات التي سنتحدث عنها اليوم لم تكن ظواهر معزولة، بل كانت ثمرة من ثمار نظام تعليمي آمن بالموهبة ورعاها، وأساتذة رأوا في طلابهم بذور عظمة مستقبلية. هؤلاء العباقرة لم يحملوا شهاداتهم فقط إلى العالم، بل حملوا معها قيمًا مصرية أصيلة، وجذورًا ثقافية عميقة، وإصرارًا مصريًا خالصًا على إثبات الذات. دعونا نغوص معًا في رحلاتهم الملهمة، من مقاعد الدراسة في مصر إلى قمم المجد العالمية.

أحمد زويل: من مدرسة دسوق الثانوية إلى نوبل وكيمياء الفيمتوثانية
بدأت رحلة العالِم الأسطورة أحمد زويل من مدرسة دسوق الثانوية في محافظة كفر الشيخ، حيث كانت علامات نبوغه العلمي واضحة منذ سنواته الأولى. فقد آمن زويل بأن ما في جعبته من موهبة وعزيمة هو رأس ماله الحقيقي. انتقل الدكتور احمد زويل إلى كلية العلوم جامعة الإسكندرية حيث حصل على البكالوريوس بامتياز، لتبدأ بعدها رحلته الدولية التي قادته إلى الولايات المتحدة. هناك، لم ينسَ أبدًا أساساته العلمية المتينة التي بناها في مصر. حصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 لابتكاره ميكروسكوب يعمل بواسطة الليزر له القدرة على رصد حركة الجزيئات عند تكوينها في جزء من الثانية (الفيمتوثانية)، وهو ما فتح آفاقًا جديدة في علم الكيمياء والطب. لقد أثبت زويل أن الإمكانيات المتواضعة ليست حاجزًا أمام الإبداع، وأن الطالب المصري قادر على منافسة أعظم العقول في العالم عندما تُوفر له الفرصة والإرادة.

سميرة موسى: رائدة الذرة التي انطلقت من مدرسة قصر الشوق الابتدائية
من مدرسة قصر الشوق الابتدائية في القاهرة، حيث كانت التلميذة المتفوقة التي لا تشبع فضولها العلمي، إلى أن أصبحت أول عالمة ذرة مصرية وأول معيدة في كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً). تكمن عظمة سميرة موسى في إيمانها العميق بدور العلم في خدمة الانسانية ورفعة وطنها. وكما قالت هي بنفسها: “سأجعل علاج السرطان بالذرة في متناول الفقراء مجانًا”. هذا الحلم النبيل هو الذي قاد مسيرتها. حصلت على بعثة إلى إنجلترا ثم الولايات المتحدة، حيث تابعت أبحاثها في مجال الذرة وتأثيراتها الإشعاعية في علاج الأورام. كانت تؤمن بأن القوة الحقيقية للعلم تكمن في جعله في متناول جميع الناس، وهي القيمة التي غرستها فيها بيئتها المصرية التي تؤمن بالتعاون والتضامن. رحلتنا مبكرًا في ظروف غامضة، لكن إرثها العلمي وإنسانيتها بقيا نبراسًا لكل عالم عربي طموح.

الشيخ محمد متولي الشعراوي: من كتاب القرية إلى إمام الدعاة في العصر الحديث
لم تكن رحلة الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي تقليدية بالمعنى الأكاديمي البحت، بل كانت مسيرة علم ودعوة انطلقت من كتاب قرية دقادوس في محافظة الدقهلية. هناك، حيث حفظ القرآن الكريم وهو في سن الحادية عشرة، بدأت ملامح عبقريته الفذة في فهم اللغة العربية وأسرار البيان القرآني. وقد ظل الشعراوي طوال حياته وفيا لبلدته ومراحل االتعليم الأولي في القرية، معتبرًا إياه الأساس المتين الذي بنى عليه كل شيء. انتقل إلى المدرسة الابتدائية، ثم إلى المعهد الديني في الزقازيق، وواصل مسيرته حتى تخرج في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر. لم يكن تفسيره للقرآن مجرد شرح للآيات، بل كان نقلة حضارية في تقديم الفكر الديني بلغة عصرية سهلة، جعلت من العامي والمثقف على حد سواء يستمعون إليه بانبهار. لقد نجح في تحقيق ما عجزت عنه مئات الكتب الأكاديمية: جعل القرآن قريبًا من قلوب الناس وعقولهم في كل مكان.

السير مجدي يعقوب: من طبيب مبتدئ في القصر العيني إلى أسطورة جراحات القلب في العالم
تبدأ قصة السير مجدي يعقوب، أحد أعظم جراحي القلب في التاريخ، في كلية الطب بجامعة القاهرة (قصر العيني)، حيث تخرج عام 1957. هناك، حيث يتدرب الطلاب على آلام المرضى وحاجاتهم الحقيقية، اكتسب يعقوب فلسفة الطب الحقيقية: أن الإنسان هو محور العملية الطبية. و أن الطبيب الماهر يملك يدًا حانية وماهرة في آن واحد. هذه القيمة هي ما طورها يعقوب في مصر قبل أن ينطلق إلى بريطانيا ليحدث ثورة في مجال جراحات نقل وزراعة القلب. لم ينجح في إنقاذ آلاف الحالات المستعصية فحسب، بل ايضا قام بتدريب جيل كامل من الجراحين على أساليبه المبتكرة. يعقوب هو خير مثال على أن التميز الطبي المصري، الذي يمتزج فيه العلم الدقيق بالإنسانية العميقة، هو منتج تصدره مصر للعالم، وأن طالب الطب المصري قادر على الوصول إلى أعلى المراتب العالمية إذا ما توفرت له الإرادة والفرصة.

نجيب محفوظ: من حارة بين القصرين إلى نوبل الآداب
انطلقت أقلام نجيب محفوظ، أول عربي حائز على جائزة نوبل في الأدب، من أزقة وحواري القاهرة القديمة، وتحديدًا من الحي الذي نشأ فيه بين القصرين. وكما يقول المثل: “أول الغيث قطرة”، فقد كانت أولى محاولاته الأدبية في سن مبكرة جدًا، متأثرًا بالبيئة المصرية الغنية بالحكايات والشخصيات. تخرج محفوظ في قسم الفلسفة بجامعة القاهرة (فؤاد الأول آنذاك) عام 1934، وكان من الممكن أن يصبح فيلسوفًا، لكن شغفه بالأدب وسرد حكايات الشعب المصري كان أقوى. وظفته الحكومة في عدة وظائف، لكنه استمر في الكتابة في الخفاء، منتهجًا منهجًا واقعيًا في وصف المجتمع. رحلته من الكتابة في المجلات الصغيرة إلى التكريم العالمي لم تكن سهلة، لكنها تثبت أن الأدب الذي ينبع من وجدان الشعب ويصوّر همومه وأحلامه هو أدب قادر على عبور الحدود ولفت أنظار العالم. لقد جعل محفوظ من الحارة المصرية كونًا أدبيًا إنسانيًا، يقرأه الناس من كل الثقافات.
الخلاصة : الدروس المستفادة من رحلات العباقرة
ما يجمع بين هذه الشخصيات الخالدة ليس فقط حصولهم على أعلى درجات التقدير العالمي، بل أيضًا جذورهم المصرية العميقة والقيم التي تشربوها في مدارسهم وجامعاتهم وبيئتهم المصرية. لقد علمونا أن الإبداع لا يعترف بالحدود، وأن الطموح لا يتوقف عند الإمكانيات المتاحة، وأن النجاح الحقيقي هو ذلك الذي يخدم الانسانية ويرفع من شأن الوطن. هم لم ينقطعوا عن جذورهم، بل استخدموا علمهم العالمي في خدمة هويتهم المصرية والعربية. إلى كل شاب وفتاة عربية تقرأ هذا اليوم: انظروا إلى هؤلاء العظماء ليس كمحض نوابغ معزولين، بل كدليل على أنكم تحملون في داخلكم نفس البذرة. طالبوا العلم بجوع، احلموا بجرأة، واعملوا بإصرار، فمن يعلم، ربما يكون اسمكم أنتم هو العنوان التالي لقصة نجاح مصرية تذهل العالم.
تصفّح المقالات
نبذة عن الكاتب
تيكى- تون . مجلة معلوماتية ثقافية اجتماعية رقمية للشباب فى مصر والعالم العربى متخصصة فى مجال التنمية الذاتية والنمو الشخصى بعيدا عن خزعبلات العلوم الزائفة و المفاهيم الغربية المغلوطة